هو الإمام إدريس الأكبر بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الخليفة علي بن أبي طالب الملقب ب الأمير مولاي ادريس مكناس . ويعتبر المؤسس لأول دولة إسلامية بالمغرب، حدد مبادئها في رسالته التي خاطب بها الأمازيغيين المغاربة، حيث سيرد نصها عند الملحق الأول.
عزز دعوته بالعمل على تحقيقها، فجاهد ضد الديانات والنحل المنحرفة: في شالة وتامسنا والأطلس المتوسط والمغرب الشرقي حتى تلمسان وما إليها، وذلك ما يسجله ابن خلدون (1). وهو يتحدث عن المغرب الإدريسي: "محا جميع ما كان في نواحيه من بقايا الأديان والملل".
وبتحقيق هذا المكسب الإسلامي : التف حول الدولة المغربية الجديدة جماهير الأمازيغيين، فصار الأمير مولاي ادريس مكناس يفكر في تحقيق مخطط دعوته، امتدادا نحو إفريقية الأغلبية ثم مصر، كبداية لتوحيد العالم الإسلامي تحت خلافة علوية بديلا عن العباسيين الذين انحرفوا عن المبادئ الإسلامية، فعن منطقة الأغالبة يقول ابن أبي زرع (2) : "... فاتصل بالرشيد أن إدريس قد استقام له أمر المغرب...وأخبر بحربه وحاله وكثرة جنوده وشدته في الحرب، وأنه قد عزم على غزو إفريقية".
وبعد وفاة الأمير مولاي ادريس مكناس يصمم مولاه راشد على تحقيق هذه الخطة، فيذكر عنه الرقيق (3): "وكانت همته غزو إفريقية، لما هو فيه من القوة والكثرة". وهي فقرة تؤكد استمرار قوة الدولة الإدريسية في فترة وصاية راشد.
وبعد إفريقية الأغلبية تشير إلى رسالة الأمير مولاي ادريس مكناس إلى أهل مصر: (الملحق الثاني)، وهي –بدورها- تؤكد المخطط الإدريسي لتأسيس دولة إسلامية كبرى، تنسخ دولة العباسيين بعد ما تنكروا للقيم المثلى، فيمتد التصميم الإدريسي إلى مصر، حتى تكون منطلقا إلى ما وراءها، وهي حقيقة يستنتجها جوليان (4)، ويقدمها في الصيغة التالية: "وقد يكون إدريس بيت النية –كما فعل الفاطميون فيما بعد- لجعل المغرب نقطة انطلاق لاسترجاع إرث آبائه".
ومن هنا يتبين أن الأمير مولاي ادريس مكناس لم يكن همه اقتطاع جزء من أقاصي الدولة الإسلامية، وإنما كان المغرب- في تصميمه- قاعدة تبدأ منها ثورته ضد العباسيين المنحرفين، واستبدالهم بدولة إسلامية تلتزم المبادئ التي شرحها الميثاق الإدريسي في شكل خطاب الإمام العلوي إلى الأمازيغيين:
- أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
- وإلى العدل في الرعية، والقسم بالسوية، ورفع المظالم، والأخذ بيد المظلوم.
- وإحياء السنة وإماتة البدعة، وإنفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد.
- واعلموا –عباد الله- أن مما أوجب الله على أهل طاعته، المجاهرة لأهل عداوته ومعصيته باليد وباللسان..." (5)
وفي اتجاه آخر: نستنتج من لغة هذه الرسالة ومعها الرسالة المصرية: دورهما في وضع اللبنات الأولى لتعريب المغرب، وهي ظاهرة تعززها نقوش النقود الإدريسية الأولى (6). وتعززها –مرة أخرى- لغة الكتابة على منبر المسجد الذي ابتناه الأمير مولاي ادريس مكناس بتلمسان، حيث يسجل ابن خلدون (7) أن هذه اللوحة استمرت حية حتى عصره، وكانت صيغتها هكذا: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا أمر ما أمر به إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، وذلك في شهر صفر، سنة أربع وسبعين ومائة" (
وسنتقيد من هنا واحدا من معماريات الأمير مولاي ادريس مكناس ، ويضاف له أكادير تلمسان(9)، ومسجد مدينة وليلي (10) .
بقي أن نشير –ونحن لا نزال مع المولى إدريس الأكبر- إلى علمه وأخلاقه، فيقول عنه الإمام عبد الله بن حمزة في المرجع الشافي: "وكان في نهاية العلم والورع، تلو أخيه (يحيى) في الفضل والزهد والسخاء والشجاعة والكرم، وكان حليف القرآن، حسن القراءة شجيها" (11)
وعن شجاعته يقول الرضا بن موسى الكاظم : "إدريس بن عبد الله من شجعان أهل البيت، والله ما ترك فينا مثله"(12)وهذا داود بن القاسم الجعفري يترك عنه الارتسامة التالية: "...وكنت معه بالمغرب، فما رأيت أشجع منه ولا أحسن وجها" (13)
ثم كانت شهرته بالشجاعة من أسباب نجاح دعوته بالمغرب، فيذكر عنه في المرجع الشافي : "ولما دعا في المغرب عرفه رجال من أهل المغرب حجوا سنة قتل الفخي عليه السلام، فقالوا: نعم، هذا إدريس، رأيناه يقاتل وقد انصبغ قميصه دما، فقلنا من هذا؟ فقالوا إدريس بن عبد الله" (14)
وإلى هذا كان الإمام العلوي يتوفرعلى ثقافة أدبية رفيعة، وذلك ما يستنتج من أسلوب رسالته إلى المغاربة، ثم رسالته إلى أهل مصر، حيث تبينا أنهما –معا- موضوع الملحقين: 2.1. وإلى هذين النموذجين من النشر توجد من شعره قطعة من أربعة أبيات تدل على شاعريته، وقد أوردها الصفدي عند ترجمته (15)، كما ترجمه ابن الأبار في "الحلة السيراء" (16) كأحد الأمراء الشعراء.
أخيرا: نختم هذا العرض بفقرة لابن عذارى : (17) "وفي سنة 172 اجتمعت القبائل على إدريس بن عبد الله من كل جهة ومكان، فأطاعوه وعظموه وقدموه على أنفسهم، وأقاموا معه مغتبطين بطاعته، ومتشرفين بخدمته طول حياته، وكان رجلا صالحا، مالكا لشهوته، فاضلا في ذاته، مؤثرا للعدل، مقبلا على أعمال البر".
أهداف دعوة الإمام إدريس الأكبر في خطاب يوجهه إلى الأمازيغيين
بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمد لله الذي جعل النصر لمن أطاعه، وعاقبة السوء لمن عند عنه، ولا إله إلا الله المتفرد بالوحدانية، الدال على ذلك بما اظهر من عجيب حكمته، ولطف تدبيره، الذي لا يدرك إلا أعلامه، وصلى الله على محمد عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، أحبه واصطفاه، واختاره وارتضاه، صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين.
أما بعد: فإنني:
1- أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
2- وإلى العدل في الرعية والقسم بالسوية، ورفع المظالم، والأخذ بيد المظلوم.
3- وإحياء السنة، وإماتة البدعة، وإنفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد.
4- واذكروا الله في ملوك غيروا، وللأمان خفروا، وعهود الله وميثاقه نقضوا. ولبني بيته قتلوا.
5- وأذكركم الله في أرامل احتقرت، وحدود عطلت، وفي دماء بغير حق سفكت.
6- فقد نبذوا الكتاب والإسلام، فلم يبق من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه.
7- واعلموا عباد الله أن مما أوجب الله على أهل طاعته، المجاهرة لأهل عداوته ومعصيته، باليد وباللسان:
أ- فباللسان الدعاء إلى الله بالموعظة الحسنة، والنصيحة والحض على طاعة الله، والتوبة عن الذنوب بعد الإنابة والإقلاع، والنزوع عما يكرهه الله، والتواصي بالحق والصدق، والصبر والرحمة والرفق، والتناهي عن معاصي الله كلها، والتعليم والتقديم لمن استجاب لله ورسوله حتى تنفذ بصائرهم وتكمل، وتجتمع كلمتهم وتنتظم.
ب- فإذا اجتمع منهم من يكون للفساد دافعا، وللظالمين مقاوما، وعلى البغي والعدوان قاهرا، أظهروا دعوتهم، وندبوا العباد إلى طاعة ربهم، ودافعوا أهل الجور على ارتكاب ما حرم الله عليهم، وحالوا بين أهل المعاصي وبين العمل بها، فإن في معصية الله تلفا لمن ركبها، وإهلاكا لمن عمل بها.
ج- ولايؤيسنكم من علو الحق واضطهاده قلة أنصاره، فإن فيما بدا من وحدة النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء الداعين إلى الله قبله، وتكثيره إياهم بعد القلة، وإعزازهم بعد الذلة، دليلا بينا، وبرهانا واضحا، قال الله عز وجل: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة)، وقال تعالى: (ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز)، فنصر الله نبيه، وكثر جنده، وأظهر حزبه، وأنجز وعده، جزاء من الله سبحانه، وثوابا لفضله وصبره، وإيثاره طاعة ربه، ورأفته بعباده،ورحمته وحسن قيامه بالعدل والقسط، في تربية ومجاهدة أعدائهم، وزهده فيما زهده فيهم، ورغبته فيما يريده الله، ومواساته أصحابه، وسعة أخلاقه، كما أدبه الله، وأمر العباد باتباعه. وسلوك سليم والاقتداء لهدايته. واقتفاء أثره، فإذا فعلوا ذلك أنجز لهم ما وعدهم. كما قال عز وجل : (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وقال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). وقال: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، و ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) وكما مدحهم وأثنى عليهم، كما يقول: (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله) وقال عز وجل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض).
وفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأضافه إلى الإيمان والإقرار لمعرفته، وأمر بالجهاد عليه، والدعاء إليه، قال تعالى: (قاتلوا الذين لا يومنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق). وفرض قتال المعاندين على الحق، والمعتدين عليه وعلى من آمن به وصدق بكتابه، حتى يعود إليه ويفيء، كما فرض قتال من كفر به وصد عنه حتى يومن به، ويعترف بشرائعه، قال تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا، إن الله يحب المقسطين).
هـ- فهذا عهد الله إليكم، وميثاقه عليكم، بالتعاون على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، فرضا من الله واجبا، وحكما لازما، فأين عن الله تذهبون؟ وأنى توفكون؟
و- وقد خانت جبابرة في الآفاق شرقا وغربا، وأظهروا الفساد وامتلأت الأرض ظلما وجورا، فليس للناس ملجأ ولا لهم عند أعدائهم حسن رجاء، فعسى أن تكونوا معاشر إخواننا من البربر، اليد الحاصدة للظلم والجور، وأنصار الكتاب والسنة، القائمين بحق المظلومين، من ذرية النبيئين، فكونوا عند الله بمنزلة من جاهد مع المرسلين، ونصر الله مع النبيئين.
8- واعلموا معاشر البربر أني أتيتكم وأنا المظلوم الملهوف، الطريد الشريد، الخائف الموتور الذي كثر واتره، وقل ناصره، وقتل إخوته، وأبوه وجده، وأهلوه، فأجيبوا داعي الله، فقد دعاكم إلى الله، فإن الله عز وجل يقول: (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء).
أعاذنا الله وإياكم من الضلال، وهدانا وإياكم إلى سبيل الرشاد.
9- وأنا إدريس بن عبد الله، بن الحسن بن الحسن بن علي، بن أبي طالب –عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورسول الله وعلي بن أبي طالب جداي، وحمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار في الجنة عماي، وخديجة الصديقة وفاطمة بنت أسد الشفيقة جدتاي، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة بنت الحسين سيد ذراري النبيئين أماي، والحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواي، ومحمد وإبراهيم ابنا عبد الله المهدي والزاكي أخواي.
10- هذه دعوتي العادلة غير الجائرة، فمن أجابني فله مالي، وعليه ما علي، ومن أبى فحظه أخطأه، وسيرى ذلك عالم الغيب والشهادة أني لم أسفك له دما، ولا استحللت محرما. ولا مالا، وأستشهدك يا أكبر الشاهدين، وأستشهد جبريل وميكائيل أني أول من أجاب وأناب، فلبيك اللهم لبيك مزجي السحاب، وهازم الأحزاب، مسير الجبال سرابا، بعد أن كانت صما صلابا، أسألك النصر لولد نبيك، إنك على كل شيء قدير، والسلام، وصلى الله على محمد وآله وسلم (18).
فقرات من خطاب الإمام إدريس الأكبر إلى أهل مصر
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد، فالحمد لله رب العالمين، لا شريك له الحي القيوم، والسلام على جميع المرسلين، وعلى من اتبعهم وامن بهم أجمعين.
أيها الناس، إن الله بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالنبوة، وخصه بالرسالة، وحباه بالوحي، فصدع بأمر الله، وأثبت حجته: وأظهر دعوته. وإن الله –جل ثناؤه- خصنا بولادته، وجعل فينا ميراثه، ووعده فينا وعدا سيفي له بعد فقبضه إليه محمودا لا حجة لأحد على الله ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم، فلله الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين. فخلفه الله جل ثناؤه بأحسن الخلافة، غذانا بنعمته صغارا، وأكرمنا بطاعته كبارا، وجعلنا الدعاة إلى العدل، القائمين بالقسط. المجانبين للظلم. ولم نمل – إذ وقع الجور- طرفة عين من نصحنا أمتنا، والدعاء إلى سبيل ربنا جل ثناؤه. فكان مما خلفته أمته فينا أن سفكوا دماءنا، وانتهكوا حرمتنا، وأيتموا صغيرنا، وقتلوا كبيرنا، وأثكلوا نساءنا، وحملونا على الخشب، وتهادوا رؤوسنا على الأطباق، فلم نكل ولم نضعف، بل نرى ذلك تحفة من ربنا –جل ثناؤه- وكرامة أكرمنا بها، فمضت بذلك الدهور، واشتملت عليه الأمور، وربي منا عليه الصغير، وهرم عليه الكبير" (19) ...
الهوامش:
(1) - "العبر" دار الطباعة الخديوية بمصر 1284هـ: 6/107.
(2) - "روض القرطاس"، ط، ق1305هـ:ص8.
(3) -"تاريخ إفريقية والمغرب"، ط، تونس 1986: ص214، ومثله عند ابن الآبار في "الخلسة السيراء": الشركة العربية للطباعة والنشر بالقاهرة:7/100
(4) - "تاريخ إفريقيا الشمالية": الترجمة العربية، الدار التونسية للنشر 1398/1978: 2/55
(5) - المحلق 2.
(6) - دنييل أوسطاش: "الجامع في الدراهم الإدريسية والدراهم المعاصرة لها، مطبعة المنشورات التقنية لشمالي إفريقية بالرباط 1970- 1971: الدراهم أرقام 18- 66، رقم 364-368.
(7) - العبر 4/13.
(
- "روض القرطاس"، ص8، وقد استمرت بقايا منارة هذا المسجد حتى عام 1937.
(9) - "تاريخ الجزائر العام" المطبعة العربية بالجزائر 1373/1954، 1/219.
(10) - مذكور عند بعض المؤرخين لهذه الفترة
(11) - المولى إدريس الأكبر...بقلم الأستاذ المرحوم علال الفاسي "مجلة التضامن" العدد الثالث ذو الحجة 1393/ فبراير 1974:ص13
(12) - "عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب" تأليف السيد أحمد بن علي الداودي الحسني، منشورات دار مكتبة الحياة في بيروت: ص129-130
(13) - "المصدر"، ص129
(14) -"المصدر" المشار له عند التعليق رقم 11:ص13
(15) - "الوافي بالوفيات 8/318-319:الترجمة رقم 3743
(16) ط. الشركة العربية للطباعة والنشر بالقاهرة:1/50-53
(17) - "البيان المغرب..." دار الثقافة بيروت:1/83-84
(18) - أصل الخطاب في كتاب "المرجع الشافعي"، وعنه نشره الأستاذ المرحوم علال الفاسي في مجلة "التضامن": بالعدد الثالث من السنة الأولى، سنة 1393/1974، ص15-18.
(19) - "تاريخ المغرب العربي في العصر الوسيط"، نشر دار الكتاب بالدار البيضاء سنة 1964، ص18 تعليق.