افضل قصيدة مدح في الشعر العربي
--------------------------------------------------------------------------------
حج هشام بن عبد الملك فلم يقدر على استلام الحجر الأسود من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة، فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر الأسود تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له، فقال شامي: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق وكان حاضرا: لكني أنا أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فأنشأ قصيدته مترجلاً. والقصيدة هي:
يــا ســائـلي أيــن حل الجود والكرم ---- عـــنـدي بــيان إذا طـلابـــه قــدمــــوا
هذا الذي تـعـرف البــطحاء وطـأتـــه ----- والبيــت يعــرفــه والحــــل والحـــرم
هـــذا ابـــن خـــير عـــباد الله كلــهم ---- هــــذا التـقــي النـقــي الطـاهـــر العلم
هـــذا الـــذي أحــمد المخــتار والـده ---- صلـى علــيه الإلــه مـــا جــرى القلـم
لـو يعلـــم الركــن من قد جاء يلثمه ----- لخــــر يلثــم منـه مـــا وطـــى القــدم
ابن علي ورسول الله جد له ---- أمســـت بنــــور هــــداه تهتدي الأمـم
هــــذا الـــذي عمــه الطـــيار جـــعفر ----- والمقـتـول حمـــزة لـيث حـــبه قســم
هـــذا ابــن ســيدة النســـوان فاطمة ---- وابـــن علي الذي في سيفه سقم
يكـــاد يمسكــه عـــرفـان راحـــــته ----- ركـــن الحطــيـم إذا مــا جــاء يستلم
وليس قولك: مــن هذا؟ بضـــائـره ----- العــرب تعــرف مـــن أنكرت والعجم
إذا رأتـــه قــــريش قـــال قــــائلها ---- إلـــى مكــــارم هـــــذا ينتهي الكــرم
إن عــــد أهـــل التقى كانوا أئمتهم ---- أو قيـــل مــن خــير خلق الله قيل هم
هـــذا ابن فاطمــــة إن كنت جـاهله ----- بجـــده أنبيـــــــاء الله قـــــــد ختموا
يغضي حياءا ويغضى مــن مهابته ---- فمــــا يكلــــــم إلا حــــــين يبتســـم
ينشق نور الدجى عن صبح غرته ----- كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
مشتـقــة مـــن رســول الله نبعتـه ----- طابـت عــناصــره والخـــيم والشيم
الله شـــرفــه قـــدمــــا وفضلـــــه ----- جــرى بـــذاك لـــه فـــي لوحه القلم
مــــن جـــده دان فضل الأنبياء له ------ وفضـــل أمــــته دانـــت لــــها الأمم
عـــم البــرية بالإحسـان فانقشعت ------ عنــــها العمـــايـــة والإملاق والظلم
كلتـــا يــديـــه غيــاث عم نفعهما ---- يستوكفــان ولا يــعروهــما العـــــدم
ســــهل الخليـقة لا تخشى بوادره ------ تــزينـــه الخصلتــان: العلـم والكـرم
مــن معشــر حبـهم دين وبغضهم ------ كـــفر وقــربــهم منــجـى ومعتـــصم
هـــم الغـــيوث إذا مــا أزمة أزمت ----- والأســد أســد الشـرى والرأي محتدم
مـــا قــال: (لا) قـط إلا في تشهده ----- لــــولا التــشـهد كـــانــت لاؤه نــــعم
يستــدفــع السوء والبلوى بحبهم ----- ويستــرق بـــــه الإحســـان والنـــعم
مقـــدم بـــعد ذكــــر الله ذكــــرهم ----- فـــي كـــل بــــرٍ ومختـــوم بــه الكلم
مـــن يــعرف الله يــعرف أولية ذا ------ فـــالــديـــن مــن بيــت هذا ناله الأمم
فغضب هشام ومنع جائزته وقال: ألا قلت فينا مثلها؟ قال: هات جدا كجده وأبا كأبيه وأما كأمه حتى أقول فيكم مثلها، فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال: اعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به، فردها وقال: يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لأخذ عليه شيئا، فردها إليه وقال: بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك، فقبلها، فجعل الفرزدق يهجو هشاماً وهو في الحبس، فكان مما هجاه به قوله:
أيحبسني بيــن المدينة والتي ----- إليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلب رأسا لـم يكن رأس سيد ----- وعينا لــــه حــولاء باد عيوبها
فأخبر هشام بذلك فأطلقه، وفي رواية أبي بكر العلاف أنه أخرجه إلى البصرة